لن يكون ما بعد زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون للسعودية اليوم وغداً كما قبله، بعدما عكس اختيار «الجنرال» أن تكون الرياض المحطة الخارجية الاولى له منذ انتخابه قرار بيروت بـ «القيام بما يلزم» لإعادة العلاقات مع المملكة وسائر دول الخليج الى سابق عهدها من الدفء وطيّ صفحة التوتر غير المسبوق الذي سادها العام الماضي على خلفية سياساتٍ خارجية للبنان اعتُبرت مؤشراً الى انحرافه في اتجاه المحور الايراني ولا سيما ابان الاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
وكما في بيروت، كذلك في الرياض التي حرصتْ منذ ما قبل انتخاب عون على إعلان «العودة» سياسياً الى لبنان، بعد مرحلة «إدارة الظهر» التي تعاطتْ خلالها السعودية مع بيروت على انها «ساقطة» في يد ايران، وهو ما كان عبّر عن نفسه حين اكدت في فبراير 2016 وفي معرض إعلان «المراجعة الشاملة للعلاقات مع لبنان» ان إرادة الدولة مصادَرة من قبل حزب الله، وصولاً الى قرارها بوقف العمل بهبة 3 مليارات دولار التي كانت مقرَّرة لتسليح الجيش اللبناني من فرنسا وهبة المليار لمساعدة القوى الأمنية الأخرى، ثم تصنيف مجلس التعاون الخليجي «حزب الله» منظمة إرهابية وحظر غالبية دوله السفر الى لبنان.
ومن هنا تكتسب زيارة عون للسعودية، التي يرافقه فيها وفد وزاري كبير وينتقل بعدها مباشرة الى قطر، أهمية خاصة لأنها تعكس من الجانب اللبناني اتجاهاً لإعادة التوازن الى سياساته الخارجية تحت سقف «الحضن العربي»، كما انها تعبّر عن اقتناعٍ راسخٍ بأن أيّ نهوض بالواقع اللبناني لا يمكن ان يتمّ بمعزل عن معاودة رسم «خطوط حمر» حول العلاقات مع دول الخليج العربي باعتبار انها حجر الزاوية في توفير «شبكة أمان» للبلاد ولا سيما على الصعيد الاقتصادي.
وفي السياق نفسه، تشير أوساط سياسية بارزة في بيروت الى رمزيّة تخصيص الرياض بالزيارة الخارجية الاولى لعون، هي التي تُعتبر «عرّابة» اتفاق الطائف الذي أرسى التوازنات الدستورية والطائفية والمذهبية التي انتقل معها لبنان من ضفة حرب الـ 15 عاماً الى ضفاف سلامٍ واستقرارٍ دخل مرحلة اهتزازٍ قويّ منذ العام 2005 حين بدا ان كل الصراع الداخلي بامتداداته الاقليمية وما رافقه من اغتيالات و«شدّ حبال» سياسي وحتى «ميني حروب» يدور «على رأس اتفاق الطائف» وبهدف كسْر توازناته من ضمن «حرب النفوذ» في المنطقة التي تنخرط فيها ايران بقوّة.
وفي المقلب السعودي، وعلى وقع المعلومات عن حفاوة سيلقاها عون الذي سيلتقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد وولي ولي العهد وكبار المسؤولين، فإن كل الإشارات تعكس قراراً من الرياض بأنها لن «تترك» لبنان مجدداً وبأنّها مرتاحة الى التسوية السياسية التي أتتْ بعون رئيساً وأعادتْ زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة بما يمثّله من حليف ثابتٍ ورئيسي لها، وهو ما من شأنه ان يعيد التوازن الى المشهد اللبناني في شقّه الاقليمي ولو مع التسليم بأن «الأجندة» الخارجية لـ «حزب الله» بمعنى «انفلاشه» العسكري في أكثر من ساحة «لاهبة» هي «خارج السيطرة» او قدرة اي لاعب محلي على التأثير بها.
وفي حين لا يمكن قراءة هذه الزيارة إلا على أنّها إشارة واضحة من عون الى انه ليس رئيساً «مقيَّداً»، رغم دعم «حزب الله» وايران الكبير لانتخابه، بل انه يملك هامشاً كبيراً من المبادرة في سياساته وخياراته، فإن ثمة مَن يعتبر ان الرئيس اللبناني يراهن انطلاقاً مما سمعه من زوار أجانب وعرب التقاهم، على إمكان ان يلعب أدواراً «توفيقية» في أكثر من اتجاه انطلاقاً من كونه نقطة تقاطُع بين «الخصوم» الاقليميين، ناهيك عن دور «ممكن» للبنان كـ «مختبر تسويات» ونموذج يمكن «تعميمه» قاعدة لحلّ أكثر من نزاع في المنطقة.
الراي