خلال رحلته الاخيرة الى الخارج، تعمد الرئيس نبيه بري الانقطاع عن العالم الخارجي، كما اعتاد ان يفعل في كل «إجازة سنوية».
ابتعد عن الهاتف، وأهمل متابعة وسائل الإعلام، مكتفيا على مدى تسعة أيام بالتنقل بين الفندق الذي كان يقيم فيه والشاطئ القريب.
مرة واحدة، وسوس له «الشيطان» ان يستمع الى خطاب للرئيس الاميركي باراك أوباما، لكنه قاوم «العرض»، وبقي مصرا على حماية إجازته من اي «جسم غريب».
أمر واحد، لم يتمكن رئيس المجلس من ضبطه، وهو الوزن، بعدما استعاد الكيلوغرامات التي كان قد فقدها خلال الصيام في شهر رمضان.
لدى عودته الى بيروت، وجد بري في استقباله معركة محمومة بين محطتي «الجديد» والـ «أن بي أن». فوجئ رئيس المجلس بما أسماها «الحملة» التي شنها عليه تحسين خياط، مؤكدا انه لم يكن مطلعا على تفاصيل المشكلة القائمة بين خياط ووزارة المال.
على الفور، اتصل بري برئيس مجلس ادارة الـ «أن بي أن» قاسم سويد وطلب منه وقف الردود الموجهة ضد «الجديد» ومالكها، كما طلب عدم رفع اي دعوى قضائية، والاكتفاء بمقتضيات الدفاع بعد الدعوى التي رفعتها «الجديد».
لكن بري يؤكد في المقابل، انه لن يخضع الى الابتزاز السياسي والاعلامي مهما اشتدت الحملات التي تستهدفه، مضيفا: هذا أمر مفروغ منه وأنصحهم بألا يضيّعوا وقتهم وجهدهم في ما لا طائل منه.
مفاجأة أخرى كانت في انتظار بري: «ما ان وصلت، حتى وجدت الانتخابات الرئاسية منجزة والعماد ميشال عون رئيسا، فقلت في نفسي ان الشباب فعلوها اثناء غيابي، إلا انه سرعان ما تبين ان الايجابيات المتداولة مبالغ فيها، وغير دقيقة، ولو انها صحت لكانوا قد وفروا علي الكثير».
ويشدد بري على ان خلوة الحوار في 2 و3 و4 آب هي فرصة مهمة جدا للخروج من المأزق الحالي واعادة إحياء مؤسسات الدولة المشلولة، لافتا الانتباه الى ان نسبة النجاح تتراوح بين صفر ومئة في المئة.
ويجزم بري مرة أخرى بان المؤتمر التأسيسي ليس مطروحا من قبله، داعيا المتحاورين الى تحمل مسؤولياتهم: «نحن أشبه ما نكون في ملعب كرة قدم، حيث لا يمكن تسجيل أي هدف من خارج حدوده القانونية، ولذلك على المتحاورين - اللاعبين ان يدركوا ان الكرة في ملعبهم، وان بامكانهم ان يربحوا المباراة إذا أحسنوا تبادل التمريرات وخففوا من ارتكاب الفاولات...».
ويوضح انه ليس بصدد اختصار ايام الخلوة الحوارية، «بل انني مستعد لإطالة أمدها إذا لمست ان هناك ايجابيات يمكن البناء عليها، أما إذا اراد البعض الدفع في اتجاه اختصارها، فعليه ان يتحمل تبعات ذلك»، لافتا الانتباه الى انه لم يضغط على اي جهة كي تتمثل بالصف الاول، «إذ انني أراعي الخصوصية الامنية للسيد حسن نصرالله الذي حتى لو أراد ان يحضر، لكنت قد رفضت حرصا على أمنه، وبالتالي لم يعد بإمكاني ان أشترط على الآخرين حصر المشاركة بالمستوى القيادي فقط».
ويعتبر ان المطلوب محاكاة تسوية الدوحة، لافتا الانتباه الى ان الحل العميق للأزمة الحالية لا يكون سوى ضمن سلة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب ورئاسة الحكومة وتركيبة مجلس الوزراء، على ان يبدأ تنفيذ التفاهم من موقع رئيس الجمهورية، «وإلا فالبديل الوحيد ان يأتوا الى انتخابات نيابية على اساس النظام النسبي الكفيل بانتاج سلطة جديدة».
وفي انتظار ما يمكن ان يؤول اليه «ماراتون» هيئة الحوار، يراقب بري المستجدات الاقليمية، مرجحا ان تنعكس التطورات في تركيا وحلب بشكل إيجابي على لبنان والمنطقة، ومكررا أمله في استئناف الحوار السعودي - الايراني الذي من شأنه تسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية بمعزل عن اسم الرئيس التوافقي المنشود.
على صعيد آخر، يتوقف بري عند الاعتراضات التي ظهرت من بعض الجهات على التفاهم النفطي بينه وبين العماد ميشال عون، متسائلا: هؤلاء الذين يهاجموننا، هم أنفسهم كانوا يدعوننا الى الاتفاق مع عون، فلما اتفقنا، سارعوا الى اتهامنا بالمحاصصة، مع العلم انه لو انتخبنا رئيس الجمهورية أمس، فان النفط لن يُستخرج إلا بعد سبع سنوات تقريبا، اي بعدما تكون ولايته قد انتهت... عن اي محاصصة يتكلمون؟
ويكشف عن بعض العروض الاميركية، قائلا: على مسؤوليتي، أؤكد ان الاميركيين طرحوا علينا الاستثمار في سبعة بلوكات نفطية من أصل عشرة، في مقابل ان نترك بلوكات الجنوب الثلاثة معلقة، مراعاة لاسرائيل. ومن دواعي الاسف الشديد، ان البعض في لبنان يتنطح للدفاع عن مصالح أميركا وبالتالي اسرائيل في هذا المجال، سواء عن قصد او غير قصد.
وفي حين يستغرب رد فعل الرئيس تمام سلام على التفاهم النفطي مع عون، «وهو الذي شجعنا عليه أصلا»، يلفت الانتباه الى ان هناك من «يزنّ» في أذن الرئيس سعد الحريري.
ومعلقا على موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق من الملف النفطي، يشير بري الى ان «مشكلتنا هي ان بعض الوزراء في هذه الحكومة يمارسون اختصاصات غيرهم...».
عماد مرمل | السفير