مركز بوبيان للبحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية | عن اللقاء الأخير للامام موسى الصدر
عن اللقاء الأخير للامام موسى الصدر
2024-12-23 | 289 مشاهدة
سياسة
عن اللقاء الأخير للامام موسى الصدر

روى عضو المكتب السياسي لحركة «أمل» وأحد مؤسسي الحركة الدكتور حسين يتيم وقائع اللقاء الأخير مع الإمام موسى الصدر عشية سفره، على النحو الآتي:

كان الإمام الصدر قد عاد من الجزائر على رأس وفد يضم الشيخ محمد يعقوب والصحافي الأستاذ عباس بدر الدين. فاجأني يومها بيان للوفد يقول إن الصحراء الغربية تمتّ بصلة للجزائر أكثر من المغرب. وأنا كقارئ تاريخ أعرف أن هذه المنطقة اسمها الصحراء المغربية. وأعرف ايضا أن الإمام الصدر كان على علاقة طيبة جدا بالعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، وعلى علاقة وطيدة بسفير المغرب في لبنان أحمد بن سودة، حتى أنه توسط لي ذات يوم مع بن سودة الذي نُقل الى الديوان الملكي المغربي، لإدخال نجلي أحمد الى إحدى الجامعات المغربية. وأذكر أنني دخلت يومها الى القصر الملكي في الرباط، واستقبلني بن سودة ونجلي بالترحاب بناء على وساطة الإمام الصدر، وأمسك بسماعة الهاتف واتصل بعميد كلية الطب قائلا: «يا أزرق.. أحمد يتيم يدخل كلية الطب». وهكذا كان. ولذلك كله استغربت مضمون البيان السالف الذكر، وعلمت في ما بعد أن الشيخ محمد يعقوب كان وراء هذا البيان بعدما فُتح الباب أمام الصدر لزيارة الجزائر في عهد بومدين الذي سمح باستقبال الطلاب الشيعة في الجامعات الجزائرية، من خلال منح دراسية مجانية، في وقت كانت المغرب تقدم منحا دراسية للطلاب الشيعة أيضا.

يضيف يتيم: بعد عودة الإمام من الجزائر اتصل بي سكرتير المجلس الإسلامي الشيعي الأستاذ عبد الله موسى، وأبلغني ان الإمام يريدني والأستاذ عباس بدر الدين لمرافقته الى ليبيا. (كان بدر الدين قد نقل مقر وكالة الانباء التي يملكها الى المعهد العربي بعد توتر الوضع الامني في قلب بيروت عام 1978 وكنتُ أحد العاملين فيها). سألت عبد الله موسى لماذا هذه الزيارة فقال ان معمر القذافي أرسل دعوة للإمام لحضور احتفالات الفاتح من سبتمبر. قلت له: أبلغ الإمام أنني قادم اليه، لكنني لن أذهب الى ليبيا، ولا أقبل أن يذهب هو أيضا، لأنه ذاهب الى نفق لا يعرف إذا كان في إمكانه الخروج منه».

رد موسى قائلا: تعال وقل له أنت ذلك.

يتابع يتيم: جاء عباس بدر الدين وأبلغته ذلك فانزعج جدا وقال لي: «أرجوك أن تقنع الإمام بالإحجام عن هذه الزيارة، ثم أنا مشغول جدا في هذه المرحلة ولا أستطيع السفر». قلت له «اذهب اليه وقل له ذلك بنفسك»، فرد قائلا: أنا لا أستطيع ان أخالفه. (كان عباس مستشارا إعلاميا للإمام الصدر). ذهبت الى مدينة الزهراء ودخلت القاعة التي يجلس فيها الإمام ومعه الشيخ محمد يعقوب والدكتور حسين كنعان والسيد أحمد اسماعيل وآخرون لم أعد أذكرهم. بادرني الإمام بالقول: واضح يا دكتور يتيم أنك منزعج ولا تريد الذهاب معي الى ليبيا.

قلت له قبل أن ألقي السلام: هل تعرف الى أين أنت ذاهب يا سماحة الإمام؟ أنت ذاهب الى حتفك.

رد الإمام بهدوئه المعهود: وصلتني دعوة من القذافي، والرئيس بومدين هو الوسيط بيننا. نريد يا دكتور أن نخلص من شر هذا الرجل ونتفاهم معه.

قلت: هذا قاتل يا مولانا. اسأل ماذا فعل بغيرك. اسأل الرئيس صائب سلام (رئيس حكومة لبنان سابقا) ماذا فعل به. لقد احتجزه ثلاثة أيام، وخطف ليبيين وغير ليبيين اختفوا عن وجه الأرض. قال عنك إنك من الخوارج ولن يقول اليوم إنك أمير المؤمنين.

قال الإمام: بومدين هو الوسيط، وأنا متكل على الله.

قلت: هذا قرارك. ولكن الذي صاغ لك بيان الجزائر أخطأ كثيرا في حقك، والآن هو نفسه الذي يورطك في ليبيا، وهو الشيخ محمد يعقوب.

وهنا انتفض الشيخ يعقوب وانتهرني قائلا: هل يمكن أن تسكت؟

قلت: أنت من يجب أن يسكت.

قلت: لولا عمامتك وعمامة الإمام لتصرفت معك بغير ذلك.

عندها همّ الشيخ يعقوب بالتوجه نحوي، فهبّ الإمام الصدر وفصل بيننا، وغادرت القاعة غاضبا (رويت هذه الحادثة في ما بعد للدكتور حسن يعقوب نجل الشيخ محمد يعقوب فأخذه الضحك).

ودّعت الإمام على باب القاعة قائلا: «لا أعرف يا مولانا إذا كنا سنلتقي بعد اليوم. رافقتك السلامة». وهكذا كان ولم نلتق بعدها. والتقيت عباس بدر الدين على درج المبنى فقلت له «ان القرار متخذ. كان الله في عونكم».

سافر الوفد الى ليبيا وسافرت أنا الى باريس ولندن برفقة الشيخ عبد الحميد الحر، وفوجئنا بعد أيام بصحيفة «الشرق الأوسط» في العاصمة البريطانية وعلى صدر صفحتها الأولى عنوان كبير: الإمام الصدر يختفي في ليبيا.
واصف عواضة | السفير