مع اعلان مصرف لبنان نيته اطلاق رزمة تحفيزية جديدة بقيمة حوالى مليار دولار اميركي (1500 مليار ليرة) خلال العام المقبل تحت اطار الوسيط الجديد رقم 444، يأتي ولا شك للتأكيد ان النشاط الاقتصادي مستمر على تباطئه وعلى استمرار تراجع النمو الاقتصادي رغم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وتكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة التي كانت مؤشرات ايجابية لكنها لن تكون قادرة على استنهاض الاقتصاد في المدى المنظور.
ويعتبر رئىس مجموعة «بيبلوس بنك» الدكتور فرنسوا باسيل ان اطلاق رزمة تحفيزية جديدة تعني ان الوضع الاقتصادي ما زال في غرفة الانعاش، وان الناس ما يزالون متريثين في التوظيف والاستثمار والحركة الاقتصادية.
ولا يستغرب باسيل ذلك باعتبار ان انطلاق الاقتصاد بحاجة اولا الى تشكيل حكومة غير حزبية ولما لا تكون حكومة تكنوقراط بامكانها ان «تفلح» فلاحة. في ظل التحضيرات السياسية والحزبية للانتخابات النيابية، وان تقوم بالاصلاحات التي طالما نادينا بها وتتناول مختلف المرافق العامة، وتقر الموازنة بعد مرور اكثر من احد عشر عاماً على اقرار آخر موازنة في الدولة اللبنانية وان تطلق يد الهيئات الرقابية في الرقابة، والا يعملوا خاطراً لاحد لان رئىس الجمهورية رجل «ادمي» ويريد بلداً. كما ان رئىس الحكومة المكلف ينوي العمل من اجل هذا البلد.
واعتبر باسيل ان الرزم التحفيزية التي يطلقها مصرف لبنان هي من اجل تشجيع التسليف وبالتالي النمو في البلاد مع العلم ان القطاع المصرفي يملك سيولة اضافية للتسليف بفضل الهندسة المالية التي اطلقها مصرف لبنان في الربيع الماضي والتي ادت الى رفع الفوائد على العملات.
واكد باسيل انه من اجل اراحة السوق والاقتصاد يجب ان تقوم الدولة اللبنانية بدورها في هذا المجال من حيث اعادة الاستثمار في البنى التحتية والقطاع الخاص على استعداد للمساهمة والمساعدة ولكن عبر اقرار مشروع قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص الموجود في مجلس النواب.
واكد باسيل ان الرزمة التحفيزية هي لمساندة المصارف في التسليف للقطاع الخاص بفوائد متدنية من اجل تنشيط الحركة الاقتصادية وتحسين وضع الزبائن الذي يعانون بسبب هذه الاوضاع.
هذه الرزمة التحفيزية الجديدة تأتي تكملة للرزمات التحفيزية السباقة التي اطلقها مصرف لبنان منذ العام 2013 التي بدأت برزمة تحفيزية بـ2.2210 مليار ليرة، ثم اتبعتها بتمديد مهلة اعطاء القروض من هذه الرزمة واضافة 1.400 مليار ليرة، من العام 2015 اطلق رزمة جديدة بـ1.500 مليار ليرة، في العام 2016 مليار دولار جديدة وفي العام 2017 سيطلق رزمة بهذا المقدار لتصبح قيمة الرزمات التحفيزية التي اطلقها المركزي حوالى 5.200 مليار دولار اميركي.
وسيقوم المركزي بضخ خطوط ائتمان لدى المصارف بمعدل فائدة واحد في المئة وذلك بفرض تمويل قطاعات اقتصادية مختلفة بنسب فوائد متدنية (لا تتخطى الـ6 في المئة) منها القطاعات الانتاجية وقطاع السكن والبحث والتطوير والتعليم وقطاع تكنولوجيا المعلومات والمشاريع الصديقة للبيئة.
وتقول مصادر مالية ومصرفية مطلعة انه لولا هذه الرزمات التحفيزية لكانت نسبة النمو سلبية، مع العلم انها اليوم اكثر من واحد في المئة وذلك بسبب امدادها بانعاش القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتعزيز التسليف خصوصاً الاقراض بالليرة اللبنانية وتوجيهها نحو السيولة الفائضة.
ويعتبر الوضع الاقتصادي والمالي معلقاً، اذ سجلت في السنوات الاخيرة غالبية المؤشرات تراجعات ملموسة بحيث باتت المؤسسات مهددة بالافلاس والاوضاع الاجتماعية بالانهيار نتيجة انعدام الاستقرار السياسي والاضطرابات في المنطقة لا سيما في سوريا ونتيجة تدفق كثيف للنازحين السوريين.
بالنسبة للنمو الاقتصادي فقد تراجع من 9 في المئة الى واحد في المئة نتيجة الاضرار التي اصابت القطاعات الاساسية المحركة للاقتصاد وزعزعة ثقة المستثمرين والمستهلكين ولولا الرزم التحفيزية لكانت نسبة النمو سلبية كما قلنا.
بالنسبة للاستثمارات الاجنبية المباشرة فقد تراجعت بشكل كبير بنسبة 43 في المئة.
بالنسبة لميزان المدفوعات فقد تراجع ايضاً، اذ تحول من فائض الى عجز نتيجة تراجع التدفقات المالية واتساع العجز فيه.
بالنسبة للمالية العامة، فقد تراجعت ايضاً واتسعت رقعة النفقات العامة نتيجة زيادة الرواتب والاجور وخدمة الدين العام وكلفة النازحين السوريين وتباطؤ النشاط الاقتصادي.
بالنسبة لتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج فقد تراجعت ايضاً.
كل هذه العوامل السلبية قابلتها رزم تحفيزية ادت الى تنشيط الاقتصاد ولو بالحد الادنى المعقول وتحسين الاوضاع في القطاعات الاقتصادية.
ومع انتخاب العماد ميشال عون رئىساً للجمهورية ومع اعلانه في خطاب القسم عن ضرورة اطلاق خطة اقتصادية شاملة فان المصادر الاقتصادية تعتبر ان الوضع الاقتصادية ليس متأزماً الى الحد الكبير، وان الاسراع في تطبيق الخطة الاقتصادية يريح الاقتصاد خصوصاً اذا دعمت القطاعات الانتاجية وادى ذلك الى تكبير حجم الاقتصاد، خصوصاً مع اقرار مرسومي النفط والغاز الموعودين ومعالجة ملف الكهرباء الذي يسبب نزفاً للخزينة اللبنانية واقرار قانون الشركة بين القطاع العام والخاص الذي يحرك الاقتصاد ويخفف الاعباء على الخزينة العامة وينعكس ايجاباً على الوضعين الاجتماعي والحياتي، وهذا ما يردده باسيل دائماً مع ضرورة تطبيق الاصلاحات المالية والادارية الموعودة.
وعندئذ يمكن ان يستغني مصرف لبنان عن رزمه التحفيزية التي فعلت فعلها ايام العسر السياسي.