انعقد مؤتمر يوروموني لبنان في فندق فينيسيا في بيروت، وضم هذا الحدث الإقتصادي المدعوم من مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية 350 شخصية من الشخصيات الحكومية الرفيعة المستوى، المستثمرين، قادة ورواد الأعمال من لبنان والعالم الذين اجتمعوا لإستكشاف سبل نمو المشهد الرقمي وكيفية إحياء أسواق المال وسبل تمركز لبنان كلاعب أساسي في التمويل الإقليمي.
وجذب هذا المؤتمر المنظم من قبل يوروموني كونفرنسز المنظم الأول للمؤتمرات والأحداث المرتبطة بالشؤون المالية في الأسواق النامية والمتقدمة أيضا عدد مهم من المندوبين الدوليين من البحرين، الأردن، فرنسا، مصر، تركيا، المملكة المتحدة ، الولايات المتحدة الأميركية وبلدان أخرى.
وافتتح حاكم مصرف لبنان السيد رياض سلامة المؤتمر. واستتبعت كلمة الإفتتاح بمقابلات رئيسية مع كل من رئيس مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر سعد الأزهري والمدير العام التنفيذي لمجموعة بنك عودة سمير حنا.
وارتكزت النقاشات والمقابلات الرئيسية المقررة لهذا النهار على القطاع المالي والإقتصاد الكلي والمشهد الجيو سياسي الحالي، فتحدث الحاضرون عن الإقتصاد اللبناني وتطور القطاع المصرفي والمالي من حيث السيولة، الحوكمة والإبتكار. وتباحث الخبراء أيضا في كيفية تطوير لبنان لنظامه البيئي المالي والتجاري الرقمي من خلال الخطابات، النقاشات التفاعلية ، المقابلات المباشرة مقدمين رؤية أقرب للعلاقة بين ريادة الأعمال، التمويل والتكنولوجيا.
وشارك فراس صفي الدين عضو مجلس الإدارة التنفيذي لهيئة الأسواق المالية في مقابلة مباشرة على المنصة مناقشا المبادرات الجديدة التي تتبعها الهيئة بما فيها منصة التداول الإلكتروني ETP . واستتبع ذلك نقاش تفاعلي مميز حول المخارج المالية الصحيحة للشركات اللبنانية المبتدئة وآخر عكس تطلعات الخبراء الرفيعي المستوى حول كيفية توسيع أسواق رأس المال المحلية في لبنان .
بالرغم من التحديات التي فرضها الوضع الإقتصادي الحالي والحجم الصغير للسوق والمستثمرين نسبيا يتمتع لبنان بمزايا استراتيجية هامة على صعيد الخدمات المهنية المتطورة في القطاع والعديد من المؤسسات المالية المتطورة فضلا عن وجود لاعبين أساسيين آخرين في السوق.
وصدقت المناقشات على الصعوبات التي يواجهها لبنان والتي هي نتيجة التحديات العالمية والمحلية بالمطلق، ترك المؤتمر نظرة تفاؤلية حول مستقبل لبنان ودوره كمركز إقليمي للتكنولوجيا وفي توفير تجربة ثاقبة وغنية بالمعلومات للجمهور المحلي والدولي العالي المستوى.
وكان سلامة قد القى كلمة في المؤتمر جاء فيها: يواجه عالمنا اليوم تحديات كبيرة. فالولايات المتحدة تستعدّ لخوض إنتخابات رئاسية، والبنك الإحتياطي الفدرالي يميل أكثر فأكثر إلى زيادة معدلات الفوائد. لكن استمرار هذا التوجه سيولّد مشاكل في الأسواق الناشئة، لا سيما في البلدان التي كانت تُعرف سابقا بدول مجموعة البريكس.
أما في منطقتنا، فقد نجحنا في التكيف مع انخفاض أسعار النفط، وشكلت الزيادات الأخيرة في أسعار النفط ارتياحا لدى الدول العربية، وكذلك لبنان. فالتحاويل إلى لبنان تطابق توقعاتنا، ونتوقع زيادة بنسبة 4-5 في المئة في قاعدة الودائع في لبنان. هذا الأمر مهم جدا لأن بلدنا يعتمد بشكل أساسي على تحاويل اللبنانيين العاملين في الخارج، ووجود قطاع مصرفي متين يجذبهم أكثر وأكثر ويشجعهم على القيام بأعمالهم إنطلاقا من لبنان».
واجه مصرف لبنان أزمات عدة مر بها لبنان. ومع ذلك، أظهر قطاعنا المالي متانة عالية. والواقع أن لبنان يواجه مخاطر، إلا أن العوائد تتماشى مع هذه المخاطر. إن هدف البنك المركزي هو الحفاظ على الثقة والاستقرار النقدي، والابتكار المتواصل عبر هندسات مالية من شأنها صون المستويات العالية في الموجودات الخارجية الجاهزة، مما يطمئن الأسواق حول استقرار الليرة اللبنانية.
أطلق مصرف لبنان أخيرا هندسة مالية تقضي بتبادل سندات حكومية بالدولار الأميركي وسندات خزينة بالليرة اللبنانية، بينه وبين وزارة المالية. وقد ساهمت هذه الهندسة في خلق 3 مليارات دولار إضافية كاحتياطيات
هذا الأمر مهم جدا لأننا نؤمن بأن الميزانية القوية ضرورية لضمان استقرار معدلات الفائدة، وأن الاستقرار أساسي لتعزيز النمو الاقتصادي بأسعار تمويل مقبولة.
إن عملية ضخ السيولة التي قام بها مصرف لبنان استهدفت عدة قطاعات، وذلك لتعزيز الطلب الداخلي والمساهمة في النمو الاقتصادي، في حين يتراجع الطلب الخارجي بسبب الوضع السياسي في المنطقة وانخفاض أسعار النفط.
نحن توقع نموا بحدود 2 % لهذا العام، ونعتقد أن هذا النمو، وإن لم يكن كافيا لمواكبة جهودنا الرامية إلى تحقيق التوازن في اقتصادنا الوطني، هو نمو مقبول نظرا لما يحدث في منطقتنا.
وإذا ما نظرنا حولنا، لرأينا أن لبنان قادر اليوم على تمويل قطاعيه الخاص والعام، بدون تمويل من صندوق النقد الدولي أو مساعدة من بلدان أخرى. هذا يعود أساسا إلى الثقة بقطاعنا المصرفي المتين. ففي لبنان، إن النسب التي تفرضها اتفاقية بازل 3 عالية، مقارنة مع البلدان الأخرى. كما أن السيولة بالعملات الأجنبية مرتفعة.
لذلك، وبالرغم من تصنيف لبنان B-، نرى أن هيكلية الفوائد لدينا قريبة من البلدان المصنفة BB+ أو BBB نحن عازمون على الحفاظ على نهجنا الاقتصادي غير التقليدي بضخ السيولة في القطاعات المستهدفة. وبما أننا نعتبر أن اقتصاد المعرفة واعد في لبنان، قمنا بتوسيع إمكانية استثمار المصارف في اقتصاد المعرفة من 3 % الى 4 % من أموالها الخاصة.
حتى الآن، خصصت المصارف لهذا القطاع نحو 300 مليون دولار، وقد بدأنا نلمس اهتماما متزايدا به من خلال الصناديق والشركات الناشئة التي يتم إطلاقها في لبنان. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن القيمة الرأسمالية لهذا القطاع تخطت الـ 600 مليون دولار.
نحن نفتخر بمساهمة المصارف اللبنانية في إطلاق وإنشاء قطاع المعرفة الذي سيوفر آلاف فرص العمل للشباب اللبناني».
ان مصرف لبنان وسع برنامج تعزيز القروض بتشجيع المصارف على منح قروض متوسطة الأجل للأعمال الفنية الإبداعية المنتَجة في لبنان. ونعتقد أنه بإمكان اللبنانيين التفوق في هذا القطاع خاصة وأنه يوفر فرص عمل لجميع فئات المجتمع اللبناني.
لذلك، أرى أنه من الضروري أن نمتلك أدواتنا الخاصة لتنظيم وتطوير سوق ثانوية في لبنان. وفي هذا السياق، تعاونت هيئة الأسواق المالية عن كثب مع البنك الدولي لإرساء مبادئ عمل توجيهية. ونحن نسعى أيضا إلى إبرام اتفاقات متعددة الأطراف مع بلدان مختلفة، وهذا ما فعلناه لتوه مع ألمانيا».
ونعمل أيضا على إطلاق منصة تداول إلكترونية. وقد قررت الحكومة اللبنانية خصخصة بورصة بيروت. لذلك، سنتعاون معها ونحاول تقديم رزمة واحدة تشمل كل من بورصة بيروت ومنصة التداول الإلكترونية. إن بورصة بيروت مؤسسة عريقة في لبنان، وقد يستحسن أن تقوم مجموعة واحدة من صانعي السوق بإدارة وتشغيل الأسواق في لبنان، بدلا من عدة مجموعات متنافسة.
وتأتي منصة التداول الإلكترونية بالأهمية نفسها، إذ إنها ستسهل دخول أشخاص من حول العالم إلى الأسواق اللبنانية. وهذا هو فعلا هدفنا. فنحن نعلم أنه بوجود أدوات مراقبة ومنظمة بفعالية، وبوجود صانعي السوق (مع العلم بأن هذا المعيار أساسي في قرار منح الترخيص لكيان مالي واحد)، وبوجود السيولة اللازمة، ستسهم هذه العوامل مجتمعة في إنشاء أسواق جذابة يسهل الوصول إليها.
من هذا المنطلق، يمكن اللبنانيين المهتمين بالقطاع المصرفي أن يهتموا أيضا بجوانب أخرى من الاقتصاد اللبناني، والطريقة الأسهل هي بتداول الديون والأسهم في لبنان.
ستؤمن هذه السوق أيضا سوقا للذهب، ولبنان معروف تقليديا بأنه سوق للذهب يثير الولوج إليه اهتماما دوليا. نأمل بأن تتم عملية الإطلاق قبل نهاية العام. والتأخير الحالي مرتبط بقرارات الحكومة حول خصخصة بورصة بيروت. فقد وافقت الحكومة على الخطوة الأولى وقمنا بإعداد الوثائق اللازمة لتحويل بورصة بيروت إلى شركة. وفي حال وافقت الحكومة على الخطوة الثانية للمضي قدما بالخصخصة، يمكننا إنجاز ذلك بسرعة. ستؤم المراقبة من قبل هيئة الأسواق المالية التي أنشأت محكمة خاصة بها. وسنغتنم الفرصة لإنشاء قاعدة قانونية تتيح في المستقبل للشركات أينما وجدت أن تتسجل في هذه السوق المالية.
اعتقد أن هذه السوق ستدعم أيضا إقتصاد المعرفة الرقمية، ولا سيما أنها ستؤمن لمن لديهم أموال أو للشركات الناجحة مخرجا لطرح الأسهم، فضلا عن ديناميكية جديدة في هذا المجال.